إزدياد التوتر بين إريتريا وإثيوبيا وتحشيد عسكري على الحدود
الحدود الإريتريا الإثيوبية: برودكاست نيوز

إزدياد التوتر بين إريتريا وإثيوبيا وتحشيد عسكري على الحدود
بدأ التوتر بين إريتريا والسودان ، يأخذ منحى تصاعديا في الأشهر الأخيرة، بدءا باستعداد الطرفين لجولة قتال محتملة وتوجه حشود عسكرية على جانبي الحدود وإعلان الحكومة الإريترية حملة التعبئة العامة.
ويمكن رصد بعض مظاهر التصعيد الأخير في النقاط الآتية:
●استضافة إثيوبيا للمعارضة الإريترية.
●وقف الرحلات الجوية الإثيوبية إلى أسمرا.
●التراشق الإعلامي عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
●احتجاز سفن أذرية تحمل رادارات وذخيرة طائرات بدون ●طيار وشحنات رصاص إلى الحكومة الإثيوبية.
في وقت حذر فيه المستشار العسكري لجبهة تحرير تيغراي الجنرال تسادكان جبري تنسا من أن اندلاع حرب شاملة أخرى بين البلدين “ليس مجرد احتمال بل إنه أمر حتمي ما لم يتم اتخاذ تدابير وقائية فورية”، تبقى الدوافع الكامنة خلف التوتر الإثيوبي الإريتري منذ توقيع اتفاق بريتوريا عام 2022 بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي محل تساؤل، وهو ما تبحثه ورقة تحليلية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان “تصاعد التوتر الإثيوبي الإريتري: الدوافع والتمظهرات واحتمالات الحرب”.
التصعيد مع إريتريا يبدو مفيدا لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تمر بها البلاد على الصعد الاقتصادية والأمنية والمجتمعية، إذ تقع إثيوبيا تحت وطأة التبعات الاقتصادية للحرب على تيغراي، في حين تستمر الاضطرابات في عديد من ولايات البلاد وعلى رأسها أمهرة وأوروميا، مما ينعكس على الاقتصاد أيضا، يرافق ذلك استمرار للخطاب الإثني المتصاعد الذي شهد انفجارا حادا منذ عام 2018.
كما يمثل التوتر المستمر مع إثيوبيا واحتمالات الصراع العسكري معها إحدى الأدوات التي يستخدمها النظام الإريتري لتأجيل التعاطي مع الاستحقاقات الوطنية المتوقعة.
أفرز التوتر الصومالي الإثيوبي على خلفية توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي خريطة جديدة للتحالفات في المنطقة، إذ شكّل الموقف من إثيوبيا الأرضية لتشكيل تحالف ثلاثي، ضم كلا من مصر وإريتريا والصومال، في أكتوبر/تشرين الأول 2024.
وتمت الإشارة إلى هذا التحالف باعتباره “جزءا من إطار عمل تُطوره مصر وإريتريا والصومال لمواجهة إثيوبيا إذا ما مضت قدما في اتفاقية الموانئ مع أرض الصومال”، وهو ما كان كافيا لإثارة مخاوف أديس أبابا التي شعرت أنه يستهدف الحد من نفوذها بوصفها لاعبا رئيسيا في القرن الأفريقي.
وتمثل مطالبة آبي أحمد بحصول بلاده على منفذ بحري سيادي أحد أهم المحركات للأزمة الحالية بين إريتريا وإثيوبيا، حيث دق هذا التوجه أجراس الخطر في أسمرا وأعاد للأذهان نجاح إثيوبيا في ضم إريتريا بشكل كامل منذ عام 1952، مما أدى إلى اندلاع الثورة الإريترية التي استطاعت -بعد نضال دام استمر 30 عاما- انتزاع حرية البلاد.
ومنذ ذلك الحين، ثمة تيارات قومية إثيوبية ترى أن هذا كان خطأ تاريخيا واجب التصحيح، وهو ما يتردد صداه في البيان الصادر عن رئاسة الوزراء الإثيوبية الذي قال إن أديس أبابا فقدت منفذها إلى البحر نتيجة “خطأ تاريخي وقانوني”.
العامل الثاني المقلق لأسمرا يتمثل في تحذير آبي أحمد من أن هذا الخلاف بين البلدين قد يؤدي إلى الصراع في حال إخفاق الطرق السلمية رغم تقليله من أهمية استخدام القوة للحصول على الميناء.
العامل الثالث اللافت للانتباه هو أن جميع التصريحات الإثيوبية تشير إلى الرغبة في الحصول على منفذ على البحر الأحمر، حتى بعد توقيع مذكرة التفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي.
وبعد عامين من المعارك الدامية، انخرطت الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي في محادثات أفضت إلى توقيع اتفاق بريتوريا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، الذي مثّل خطوة واعدة لإقرار السلام والاستقرار في إثيوبيا.
ورغم نفيها السعي إلى تقويض اتفاق بريتوريا، كان لأسمرا موقف سلبي من هذه الاتفاقية، فلقد وصف بعض الخبراء شعور القيادة الإريترية حيالها بأنها “طعنة في الظهر”.
وموقف أسمرا السلبي من هذا الاتفاق يعود إلى مجموعة دوافع، منها نصه على السماح لجبهة تحرير تيغراي بالبقاء قوة سياسية في البلاد، في حين كانت القيادة الإريترية ترى وجوب تفكيك هذا الكيان السياسي بالكامل، بجانب أن اتفاق بريتوريا كان مدخلا لتوثيق تعاون إستراتيجي بين أديس أبابا وتيغراي وواشنطن، وهو تحالف تنظر إليه أسمرا بعين الريبة.
ولم يؤدِّ توقيع اتفاقية بريتوريا لتفكيك التحالف الإريتري الإثيوبي فحسب، بل وجّه ضربة قاضية إلى التحالف بين آبي أحمد والمليشيات القومية الأمهرية التي كانت أحد الشركاء الرئيسيين في الحرب على الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.
وتبرز في هذا السياق قضية تبعية المناطق المتنازع عليها بين الأمهرة والتيغراي، حيث كان الرفض المطلق للتنازل عن السيطرة عليها أحد أسباب مطالبة القوميين الأمهرة بتمثيل منفصل لهم في مفاوضات بريتوريا.

وإثر توقيع اتفاقية بريتوريا، بزغ خلاف ما لبث أن تصاعد سريعا بين قادة كبار من التيغراي، وتبلور لاحقا في جبهتين: تضم الأولى الإدارة الانتقالية المؤقتة في تيغراي برئاسة غيتاشيو ردا، في حين تشكلت الثانية من جناح في الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بزعامة ديبرتيسون جبري ميكائيل، الذي استطاع مؤخرا السيطرة على العاصمة الإقليمية ميكيلي، وفرض سلطاته وحلفائه على مناطق واسعة في الإقليم.
حرب مستبعدة رغم التوترات
ورغم طبول الحرب التي تُسمع أصداؤها في كل من إريتريا وإثيوبيا، فيبدو أن تورط الطرفين في هذه المواجهة العسكرية المباشرة والواسعة مستبعد.
فإثيوبيا الغارقة في أزماتها الداخلية لا تبدو قادرة على تحمل الأعباء الأمنية والاقتصادية لمثل هذا التطور. وفي المقابل، فإن إريتريا -بالنظر إلى ظروفها الحالية وإلى خطابها الدفاعي- تُعد غير معنية بهذه الحرب.
