الدراسات والبحوث

عملية تجميد البويضات بين حلم الأمومة والمتاجرة بها

بورتسودان: برودكاست

عملية تجميد البويضات بين حلم الأمومة والمتاجرة بها

في السنوات الأخيرة تكثفت حملات التشجيع على اللجوء إلى تقنية تجميد البويضات، فمنذ ظهورها شهدت التقنية إقبالاً متزايداً في ظل التشجيع المستمر عليها من الأطباء والخبراء حفاظاً على فرصة الإنجاب للمرأة في أي عمر كان، ولعل التأخير في سن الزواج والإنجاب شكل عنصراً أساساً أسهم في رواجها أكثر، لكن مع ارتفاع معدلات اللجوء إليها، لا يمكن إلا أن نطرح علامات استفهام حول مدى فاعليتها وصدقية حملات التشجيع التي تقام في مختلف أنحاء العالم للإقدام عليها. فهل حفظ حق الأمومة في أية مرحلة عمرية هو الدافع الأساس؟ أم أن الأرباح التي يمكن أن تحققها الجهات المعنية هي السبب وراء تحفيز المرأة لتلجأ إليها قبل فوات الأوان؟

1609409946 تجميد البويضات
لمرضى السرطان أولاً

ظهرت تقنية تجميد البويضات أولاً بهدف الحفاظ على الإباضة للنساء اللاتي يخضعن إلى علاج كيماوي أو إلى علاج بالأشعة بسبب الإصابة بالسرطان، في هذا الإطار كانت لهذه التقنية أهمية كبرى، إذ استطاعت أن تحقق حلم الأمومة لكثيرات كان من الممكن أن يفقدن الأمل بالإنجاب بغير ذلك.

وتعتبر الطبيبة الاختصاصية في الجراحة النسائية والتوليد المتخصصة في معالجة العقم وعمليات طفل الأنبوب غنى غزيري أن التقنية أنقذت عائلات بالحفاظ على مخزون الإباضة لهؤلاء السيدات، وتعود بالذاكرة لقصة سيدة كانت في عمر 39 سنة حين أصيبت بالسرطان “وسحبت ثلاث بويضات لها وحفظت بتقنية تجميد البويضات قبل أن تبدأ رحلتها مع العلاج، وها هي اليوم أم لصبي بعد أن أنهت مرحلة العلاج، وعلى رغم أن الدورة الشهرية توقفت لديها، فطالما أنه من الممكن تهيئة الرحم وهو بحال جيدة، من الممكن أن يحصل الحمل باللجوء إلى البويضات التي جمدت، حتى إذا كانت الدورة الشهرية متوقفة. ففي حال الإصابة بالسرطان تكون لهذه التقنية أهمية كبرى، بما أنها تحفظ حق المرأة بالإنجاب وعيش تجربة الأمومة بفضل تخزين البويضات”.

من جهة أخرى وفي حال حصول تأخير في الزواج والإنجاب، يمكن أن يحصل تراجع في معدلات الخصوبة، مما يستدعي اللجوء إلى تحفيز الإباضة وتجميد البويضات.

966932 0 1

جانب تجاري أكيد

في الوقت نفسه لا تنكر غزيري أنه ثمة جانب تجاري في التشجيع على اللجوء إلى هذه التقنية بطريقة عشوائية، فأصبح فيها استغلال من بعضهم مع التشجيع المستمر للمرأة على اللجوء إليها. فإذا أتت شابة بعمر 25 سنة بكامل صحتها، ولم تخضع لجراحات، ولا تواجه خطر انقطاع الطمث المبكر لأسباب جينية، لا مبرر للإقدام على خطوة سحب البويضات وتجميدها لديها “ثمة مبالغة واستغلال لمثل هذه الحالات. قد تشجع بعض المراكز على لجوء شابات في سن باكرة إلى تجميد البويضات من دون أن يكون هناك أي مبرر لذلك، مما يعتبر غير مقبول. فإذا كانت هناك عوامل جينية تسهم في الانقطاع المبكر للطمث أي في سن 30، فهناك مبرر للجوء إلى تقنية تجميد البويضات، وإلا فلا داعي للجوء إليها في هذه السن الباكرة. علماً أن هذا الخطر يمكن أن يظهر من خلال فحص للدم، فيؤكد ما إذا كان هناك انخفاض في مخزون الإباضة. هذا ما يشجع على اللجوء إلى التقنية لتتمكن المرأة من تحقيق حلم الأمومة في يوم من الأيام، ولو بلغت مرحلة انقطاع الطمث في مرحلة باكرة”.
وتعتبر تقنية تجميد البويضات وسيلة فاعلة لحفظ الحق بالإنجاب لنساء بعمر 30 أو 35 سنة لم يتزوجن بعد، أما أن تأتي سيدة بعمر 40 سنة لسحب البويضات وتجميدها، فتعتبر غزيري أن في ذلك أيضاً استغلالاً لها لأن جودة البويضات تخفض احتمال حصول حمل “ففي هذه الحال، تتراجع فرص الإنجاب عندها، ولا تتخطى فرصة حصول الحمل 10 أو 15 في المئة. ويجب أن تدرك المرأة ذلك، وطالما أنها تعرف الأمر، فهي تتخذ القرار بالإقدام على هذه الخطوة أو العدول عن ذلك. من المهم أن تعرف أن الفرص ليست كبيرة بأن تنجح بالإنجاب. إنما في الوقت نفسه، ثمة جانب نفسي إيجابي باللجوء إلى هذه التقنية لأن بعضهن يقدم على سحب البويضات وتجميدها بغض النظر عن النتيجة. ومن الممكن ألا يحتجن إلى اللجوء إليها، مما يحد من الضغط النفسي عليهن، ويخفف من التوتر المرافق لمحاولات الحمل الفاشلة”.

بشكل عام تفضل غزيري سحب ثلاث بويضات فقط لامرأة بعمر 30 أو 35 سنة، بدلاً من سحب 15 بويضة من سيدة بعمر 40 لأن الجودة تكون فضلى في سن صغرى بما أن فرص نجاح الحمل باللجوء إلى بويضات سحبت في عمر 40 فقد تكون قليلة. في المقابل من الممكن أن يحصل الحمل بصورة طبيعية من دون اللجوء إليها حتى عمر 45 سنة، ولو كان الاحتمال ضئيلاً.

أما تكاليف عملية تجميد البويضات فهي 2500 دولار أميركي تقريباً، ما بين أدوية تحفيز الإباضة بكلفة 800 دولار أميركي، و1700 دولار للفحص والتجميد.

77 1654691525 large
تمكين للمرأة

وتجزم الطبيبة الاختصاصية في معالجة العقم وعمليات طفل الأنبوب جيسيكا عازوري أنه مع ظهور تقنية تجميد البويضات، تحولت إلى وسيلة مهمة لتمكين المرأة وحفظ حقها بأن تعيش حياتها كما تريد “فتكون حرة بالزواج والإنجاب ساعة تريد من دون ضغوط نفسية ترغمها على الزواج في سن باكرة بهدف الإنجاب. تبرز أيضاً كوسيلة مهمة لمن تعاني ضعفاً في المبيض، وهي من المشكلات الشائعة أخيراً. ففي السنوات الأخيرة بدأت ترتفع معدلات الإصابة بالضعف في المبيض في سن باكرة، وتظهر الدراسات أن فيروس كورونا قد يكون السبب وراء ذلك، وارتفعت نسبة ضعف المبيض دون سن 30 من 10 في المئة إلى 30 في المئة. وفي ما عدا ذلك قد يكون السبب وراء ضعف المبيض وانخفاض مخزونه خلقياً أو بسبب بطانة الرحم المهاجرة، كما قد يحصل ذلك بسبب الخضوع إلى العلاج الكيماوي”، وتتابع “مع ارتفاع حالات ضعف المبيض، قد نلجأ اليوم إلى تجميد البويضات دون 30 سنة لحفظ فرص الإنجاب للمرأة. أما بعد عمر 40 سنة، فقد تنخفض فرص الإنجاب إلى خمسة في المئة في الحمل الطبيعي، وتصل إلى صفر بعد سن 45 سنة. وبشكل عام تزيد فاعلية اللجوء إلى تقنية تجميد البويضات بحسب السن التي تلجأ المرأة إليها فيها، ففي عمر 30 إلى 35 سنة عند سحب 10 بويضات، تصل فرص إنجاب طفل في الأقل إلى 60 في المئة، وإلى 20 في المئة لإنجاب طفلين، أما في عمر 41 أو 42 سنة، فتنخفض فرص إنجاب طفل إلى 20 في المئة”.

وتؤكد عازوري أن الربح المادي ليس الهدف من وراء التشجيع على تجميد البويضات في حالات معينة، “فمن الممكن لمركز معالجة العقم الاستفادة أكثر بعد من المرأة عندما تلجأ إلى عمليات طفل الأنبوب في مرحلة لاحقة، وقد تتكرر المحاولات عندها قبل أن ينجح أي منها، لذلك لا يرتبط التشجيع على اللجوء إلى هذه التقنية بالمسألة المادية، بل بالوعي للحفاظ على الحق بالإنجاب واقتناع المرأة بأهمية هذه التقنية. وحققت التقنية انتشاراً أكبر مع زيادة فاعليتها. ففي البداية لم تكن بالفاعلية التي هي عليها اليوم، ولم تكن البويضات كلها تبقى حية بعد تجميدها، فيما تعيش اليوم بنسبة 90 في المئة. ويمكن تجميد البويضات لعدد غير محدد من السنوات، لكن الحمل بعد سن 50 يترافق مع مزيد من الأخطار والمضاعفات بوجود خطر ارتفاع ضغط الدم والسكري والولادة المبكرة، لذلك قد يكون من الأفضل استخدام البويضات قبل سن 50”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى