مدينة درنة الليبية .
درنة الليبية مدينة تقع على ساحل البحر المتوسط، يفصلها وادي درنة إلى قسمين، يقدر عدد سكانها بمئة ألف نسمة، تعاقبت عليها حضارات عديدة، وسكنتها شعوب مختلفة وتعرضت للاحتلال مرات عدة، كما تعرضت لكوارث طبيعية عديدة، آخرها إعصار دانيال الذي ضرب المدينة يوم 10 سبتمبر 2023.
تقع مدينة درنة الجبلية على ساحل البحر المتوسط شمال شرقي ليبيا، يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر، ويشطر وادي درنة المدينة إلى شطرين، وهو أحد الأودية الكبيرة المعروفة في ليبيا.
تقدر المسافة بين درنة وبنغازي بنحو ثلاثمئة كيلومتر إلى جهة الغرب، وتبعد عن مدينة البيضاء مسافة مئة كيلومتر، وتقع على بعد ما يقارب 1300 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس، و1050 كيلومترا غرب العاصمة المصرية القاهرة.
يبلغ عدد سكان مدينة درنة عام 2011 نحو 80 ألف نسمة تقريبا، وقدّر عدد سكانها عام 2014 بمئة ألف نسمة.
الواجهة البحرية لمدينة درنة وهي تطل على البحر الأبيض المتوسط، يشكل فرصة لأبنائها للعمل في الصيد البحري. وتستفيد المدينة من موقعها الجغرافي في تحريك عجلة الاقتصاد، ففيها
وتتميز درنة بغطاء نباتي وفير تغذيه مياه الينابيع، منها نبع عين البلاد وعين بومنصور، مما يجعلها وجهة للسياحة الداخلية.
يقول الرحالة الدانماركي كنود هولمبو عنها في كتابه “رحلة في الصحراء الليبية” إن “درنة تمتلك أصفى وأنقى وأطيب المياه في أفريقيا الشمالية كلها، وأراضيها مغطاة ببساط كثيف من الحشائش والأعشاب، وتتألق فيها الأزهار الجميلة”.
عمرو بن العاص، وكانت حينها جزءا من إقليم برقة، ثم برز اسمها بعد استشهاد القائد المسلم زهير بن قيس البلوي ومن معه من الصحابة ودفنهم في المقام المعروف باسم “أضرحة الصحابة” في نهاية القرن السابع الميلادي.
شهدت درنة تحولات مختلفة خلال الحكم الأموي والعباسي والفاطمي، إذ استقرت فيها قبائل من بني سليم، وانقسمت المدينة تبعا لقوة القبائل وانتشارها، وانعكس ذلك على أمنها وسير الحياة فيها.
وفي الحكم العثماني تحسنت أحوال درنة مع نزوح عائلات أندلسية إليها عام 1493 ميلادي واستقرت فيها، وعمل الأندلسيون بالتجارة في المدينة واعتمدوا على وجود مرسى صغير فيها، ثم عملوا في زراعة مساحات واسعة من أراضيها.
دخلت درنة تحت الحكم العثماني سنة 1638، وشهدت ولاية محمد باي تطورا في المدينة وازدهارا نتيجة لعنايته بها واهتمامه بعمارتها، ثم شهدت درنة اضطرابات شديدة سنة 1710 نتيجة تعرض أهاليها للتنكيل والظلم من قبل الحاكم.
تعاقب على درنة أيضا غزاة أميركيون وإيطاليون، فقد احتلت المدينة قوات مشاة البحرية الأميركية عام 1805 لتكون بذلك أول يابسة خارج الولايات المتحدة يرفع فوق قلعتها العلم الأميركي، ثم عانت درنة الويلات خلال الاحتلال الإيطالي 1911-1945.
وفي عام 1951 حصلت ليبيا على استقلالها، وكان يحكمها الملك إدريس الأول حتى عام 1969، إذ عزل من منصبه نتيجة الانقلاب الذي قاده معمر القذافي واستلم الحكم حتى بداية الثورة التي قامت ضده عام 2011، فشهدت درنة حينها ومدن أخرى بالشرق الليبي مثل بنغازي وطبرق والمرج مسيرات حاشدة مؤيدة للثورة.
تأسس في مدينة درنة “مجلس شورى مجاهدي درنة” عام 2014، وهو مجلس مستقل لم يكن يتبع لأي من الحكومات الثلاثة التي كانت تتنازع على السلطة، ثم شهدت المدينة أول وجود لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، وذلك حين استقرت مجموعة من التنظيم في درنة عام 2015، فشن “مجلس شورى مجاهدي درنة” حربا على تنظيم الدولة بعدما قتل اثنين من أهم قادة المجلس، وأسفرت المواجهات عن خسارة التنظيم مناطق ومواقع كانت تحت سيطرته في المدينة، أهمها منطقة الساحل الشرقي ومقر محكمته الشرعية، وبعد قتال شرس تمكن “مجلس شورى مجاهدي درنة” من طرد تنظيم الدولة.
تغنى شعراء الفصحى وغير الفصحى بجمال درنة وخضرتها النامية وظلالها الوارفة ومائها العذب وهوائها العليل، كما أشادوا بكرم أهلها ورقة طباعهم، وتحدث كتّاب وسياح عرب وأجانب عن أحيائها وآثارها.
ويوجد في مدينة درنة جامع الصحابة وقبور 73 صحابيا دخلوا المدينة للدفاع عنها ضد غزو الروم في الثلث الأخير من القرن الهجري الأول.
الكوارث الطبيعية التي ضربت درنة
يذكر المؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي أن المدينة تعرضت لمجموعة من الكوارث الطبيعية منها:
عام 1941 حدث فيضان في وادي درنة ضرب المدينة وأدى لجرف معدات حربية وآليات عسكرية ألمانية إلى البحر، بالإضافة إلى أضرار مادية كبيرة وخسائر جسيمة في الأرواح.
عام 1959 حدث فيضان بسبب ارتفاع مستوى مياه الوادي أوقع قتلى ومصابين ودمر منازل عديدة.
بين عامي 1968 و1969 سجلت عدة فيضانات لكنها لم توقع قتلى ولم تحدث أضرارا كبيرة.
عام 2011 فاض الوادي نتيجة فتح أحد السدود بهدف تصريف مياه الأمطار الغزيرة، وأوشكت المدينة حينها على الغرق.