عبدالله حسن سعيد يكتب .. المناشط الثقافية وثقافة السلام 2 – 3
يواجه السودان تحديات خطيرة تطال جميع سكانه من خطر الحروب إلتي استمرت منذ استقلال السودان في جنوبه وتفجرت عنيفة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق . وعودة خطاب الكراهية إلى ساحات المجتمع مجدداً بعد ثورة ديسمبر المجيدة . ورغم اتجاه الدولة لحل ازمة الحروب المستمرة في البلاد باتفاقية جوبا للسلام إلا أن بعض البؤر الموبوءة بالكراهية ومعاداة السودان والطامعين في موارده تنادت مجدداً لإدارة الفتنة والحروب .
إن ثقافة السلام وخطاب التسامح والأخوة الإنسانية تسكت أصواتاً عالية وصاخبة تدعو للحرب بين الحضارات والأديان وبين مكونات الشعب من اجل تقسيم البلاد ونهب مواردها وتغيير عقيدتها وتغيير ديمغرافية البلاد و نجاح تيار التسامح يشكل هزيمة للتطرف والإرهاب ودعاة العنف .
إن ثقافة السلام تُشكل ضرورة لمحاربة العنف وخطاب الكراهية والتعصب الديني والفكري، من أجل سودان أكثر سلاماً وتسامحاً لضمان البناء الوطني بشكل اكثر عدالة ، وتشكيل مجتمعات أكثر مرونة . فالتسامح والتعايش والتراحم بين البشر من القيم الإنسانية العظيمة المشتركة بين المجتمعات السودانية …
إن وضع خطط واستراتيجيات مستقبلية استراتيجية تقوم علي بسط ثقافة السلام هي الضمان لنشر السلام والتسامح وهي من الاهتمامات المهمة التي تتخذها الحكومات من أجل مستقبلٍ أكثر سلاماً ، حيث إن مصطلحات الحوار والتسامح والإندماج المجتمعي ، لا يمكن أن تخدم المجتمع في حال لم يتم دعمها وتثبيت اركانها في السودان ، من خلال إجراءات ملموسة وتعاون بين المجتمعات ، وذلك يتضمن أن تقف الحكومات التي تراقب مظاهر خطاب الكراهية ، موقفاً أكثر جدية، من أجل المساهمة في ترسيخ مبادئ السلام، وبناء أجيال أكثر تضامناً وتسامحاً في سودان خالٍ من الكراهية.
المدرسة كحاضنة ثقافية تربوية :
تمثل المدرسة اهم الحواضن التي تربي النشئ علي احترام الثقافات المختلفة والتفاعل معها وتبنيها خارج مناطقها كتراث قومي يبين إبداعات الشعوب ويكون سببا اساسيا في اثراء الحياة الإبداعية والغوص في خصائص المجتمعات ومعرفة ما يقربها لبعضها ويصهر هذه الثقافات في بوتقة وطنية واحدة . ويهتم السودانيين بالتعليم وبالمدارس كحواضن تهيئ الطلاب للمستقبل الذي يبدأ بالاسرة والمدرسة والمجتمع ويؤصل للوحدة الوطنية والسلام .
ومن الأهداف التعليمية في المدرسة :
أ/اكتساب المهارات المختلفة بناءا علي المنهج والمواد التي يحتويها المنهج التعليمي والتربوي .
ب/ تغيير سلوكيات الطلاب السالبة المكتسبة من المجتمع الي سلوكيات موجبه تحدث التغيير المنشود في السلوكيات العامة وتأكد علي قيم التعايش السلمي .
ج/ زيادة المعارف الأكاديمية في مختلف العلوم الإنسانية التي يوجهها المنهج في مفاصل المجتمع وحاجات الأساسية واعداد مشروعات علماء ومتخصصين في شتي مجالات الحياة ..
ويمثل النشاط المصاحب للعملية التربوية والتعليمية أهمية قصوي في تربية النشئ علي حبه للوطن والانصهار في المجتمعات التي تكون الدولة وتتلاحم مع بعضها لاداء دورها في الحياة . ويمكن ان نحدد بعضا من النشاطات التي تؤثر ايجابا في العملية التربوية وغرس القيم والاخلاق التي تعد الطالب كمواطن صالح في المجتمع .مثل طابور الصباح والاحتفالات بالأعياد الوطنية والمنافسات الرياضية والثقافية والدورات المدرسية والتدريب العسكري والدورات التدريبية لاكتساب التعريف بالموروثات العامة ..والمعارض المختلفة وهي في مجملها مع مناشط اخري حددناه في غير هذا المكان تشكل أهمية قصوي في إنجاح العمل التربوي والتعليمي بما يحقق التعايش السلمي ونبذ الجهوية والقبلية وخطاب الكراهية في المجتمع السوداني .
أسباب إهمال المناشط الثقافية :
ومما يؤسف له إهمال المناشط الثقافية
ونشاط الحواضن المجتمعية للثقافة السودانية في الدولة السودانية وغيابها في المناهج التعليمية وكمناشط تصاحب العملية التعليمية. وتمثل الهجمة الغربية الممنهجة بدعاوي العلمانية والمدنية و وغيرها من المظاهر الهدامة لغرس قيم وحضارات وثقافات تتنافي مع موروثاتنا وتقاليدنا من اجل الاستلاب الثقافي وتنفيذ استراتيجيات استعمارية تؤدي الي تحلل المجتمع الي عوامله الاولية قبلية وجهوية وتكون مدعاة لتفكك المجتمع والفوضي والصراعات الاثنية ..و رغم اجتهاد الإعلام والكتاب في الإذاعات السودانية والتلفزيون والمسرح السوداني المتجول والصحافة ودور الأسرة والمجتمع والنشاط المدرسي كعاكس لهذه الثقافية إلا اننا نعاني من ازمة عدم الاهتمام اللازم لاداء دور رائد في المجتمع ، وغياب الفرق المسرحية المختلفة والنشاطات الثقافية في الأندية المجتمعية التي تهتم بالتراث الشعبي والحواضن الثقافية في فرق التراث الشعبي والموروث الحضاري والثقافي في مختلف بقاع السودان ، وقصر المناهج وعدم ثباتها وعدم وضوح استراتيجيتها المستقبلية يؤكد عموما اننا ما زلنا نعاني من الهشاشة في البنيان الثقافي والتعليمي علي المستوي العام في أجهزة الدولة وعلي المستوي الشعبي الذي بدأ يضمحل نسبة لقصور الميزانيات المالية وعدم كفايتها لاحداث نقلات نوعية لحركة مدروسة تؤثر في المجتمع … وعدم وجود المكتبات العامة وصالات الاضطلاع العامة التي تتوفر فيها كل مايمكن الافراد من زيادة التحصيل في شتي العلوم والتخصصات التي تعين الطالب في مسيرة حياته في المجتمع وتشكل ثقافتهم بما يعين علي تنفيذ استراتيجية الدولة في المجتمع السوداني الواحد الموحد الذي تلعب فيه الثقافة دورا رئيسيا في استقراره وتعايشه .
الإستفادة من المناشط في بناء جيل وطني :
1/ لابد من الاهتمام بالتعليم والمناهج التعليمية بحيث تتضمن المزايا الوجودية في الوطن تراثا شعبيا وعادات وتقاليد تتمثل فيها وحدة المجتمعات وسبل تقوية العلاقات بينها واحترامها كما أن من المهم جدا تصفية وتصحيح المناهج وتنقيتها من الشوائب التي زرعت بداخل موادها لتغيير كثير من مسلمات المجتمع السوداني وجعله بعد زمن تابع مسلوب الارادة يسهل تشكيله واستغلاله .
2/ توطين ثقافة المجتمع والاهتمام بتفردها وثرائها ولا يمكن بناء امة موحدة دون توطينها والاستفادة من ممسكات الوحدة الكامنة بها . وهي تشكل اساس بناء الجيل الجديد الذي يجعل الثقافة السودانية محور الوحدة الوطنية وبناء المجتمع علي حب الوطن وتاريخه الثقافي والاجتماعي والسياسي .
3/ الاهتمام بجمعيات وحواضن النشاط الثقافي والنشاط المصاحب للعملية التربوية التي تهتم بالثقافة وجمعياتها والفنون والتراث والرياضة والجمعيات الأدبية وجمعيات التاريخ والجغرافيا واصحاح البيئة والجمعيات الطوعية والتطوعية وغيرها حتي تخلق التجانس بين الافراد والوحدة بين المجتمعات وتزيل الفوارق وتنهي خطاب الكراهية والتمييز بين تكويناتها …
هناك عدة أشكال ومناشط ثقافية يمكن بواسطتها بناء جيل وطني جديد تتمثل فيه كل أشكال ومناشط الثقافة السودانية لاحداث تغيير في المفاهيم عن السلام والتنمية ..
أشكال ومناشط الثقافة :
1/ الاهتمام بتاريخ السودان في مراحله المختلفة ومظاهر الحضارة السودانية منذ اقدم العصور والاهتمام بجغرافية السودان ومميزاته ارضا وموارد والدراسات السكانية وثقافاتهم الشعبية .
2/ غرس حب الوطن موقعا وتاريخا وثقافة وموردا وتراثا شعبيا ، والعادات التي تميز المجتمعات الاهلية وتمثل عاملا اساسيا في وحدة المجتمع وهويته المتميزة والتي تشكل مع العادات والتقاليد المشتركة والمتجانسة مدعاة للوحدة الوطنية اساس بناء الجيل الوطني الجديد ..
3/ التمسك باحترام كل المكونات الاجتماعية والحواضن الثقافية التي تساهم في بناء جيل جديد بحسبان انها مكونات وطنية المنشأ وتعبر عن مجموعة سكانية وطنية تتوحد وجودها في وطن يسع الجميع .
4/ الاهتمام بالتعليم وجعل التربية الوطنية من اهم المواد التي تدرس للنشئ مع التركيز علي الأدب الشعبي المختلف في النشاط المصاحب للعملية التربوية في المدارس .
5/ الاهتمام بالرحلات المدرسية للمناطق المختلفة والقيادات المجتمعية المختلفة مما يعزز وحدة الوطن والتعايش السلمي وبناء جيل جديد وطني واعي متفاعل ومنفعل مع قضايا الوطن المختلفة.
6/ الاهتمام بإنشاء المراكز الثقافية والمكتبات العامة والمهرجانات الطلابية التي تبرز تراث المجموعات السكانية وقيام مهرجانات الإبداع الطلابي في التراث الشعبي والمعارض التي توضح الأصالة والثراء والتعبير القومي ..
7/ تسليح الطلاب بثقافة السلام في المجتمعات السودانية يقتضي تعلية قيمة الوطن والهوية السودانية المتميزة بمكوناتها المختلفة ، وان ننأي عن خطاب الكراهية وعن الخطاب القبلي والجهوي ونغرس في الطلاب مفاهيم سليمة عن الوجود المجتمعي المتماسك المتسامح والمتعايش هدفا وآمالا ، المجتمع الذي يعيش وفقا لمكونات وجودية مشتركة تؤكد عدم وجود أي فوارق في المجتمعات التي تعيش في أرض السودان . وان القبيلة هي رابط اجتماعي يحفظ ويعبر عن الهوية السودانية ومكوناتها المجتمعية وانتماؤها الاسري.
وهي حاضنة للثقافة السودانية المعبرة عن مجتمعاتها والتي تدعوا للتعايش السلمي والتعاضد والتآذر وتبرز خصائص المجتمع المتميزة . والوجود في المنطقة الجغرافية هو وجود تحكمه قيم مجتمعية واقتصادية واجتماعية وروحية وله عادات مشتركة تتحد كلها وتنصهر في المجتمع السوداني الواحد الذي تتعايش فيه هذه الوحدات الاجتماعية لتحقيق السلام وفقا لموروثات وعادات تدعوا جميعها لانصهار المجتمع في وحدة الدولة التي تسع الجميع ..