المنوعات

المخرج سعيد حامد

القاهرة : برودكاست نيوز

المخرج سعيد حامد

الحالة الغريبة للمخرج سعيد حامد
الاحتفاء بمخرج كبير مثل سعيد حامد هو احتفاء بالسينما. فالمخرج السوداني المولود بعام 1958 يعتبر واحدا من أهم المخرجين الذين شهدتهم السينما المصرية بنهاية القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين.

وتأتي أهمية حامد من أنه استطاع أن يقدم ببداية مسيرته الإخراجية فيلما فانتازيا تجريبيا ناجحا على المستوى الفني والنقدي وهو فيلم “الحب في الثلاجة” 1992 ثم يقدم أفلاما على هامش السينما التجارية بدأها بصنع فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية” 1998 والذي حصل على أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية وليصنع أيضا مجموعة من الأفلام الأخرى التي حققت أيضا إيرادات كبيرة في شباك التذاكر وهي “همام في أمستردام” 1999 و”شورت وفانلة وكاب” 2000 و”رشة جريئة” 2001 و”جاءنا البيان التالي” 2001 و”يا أنا يا خالتي” 2005.

ودعونا نقول أن إخراج الأفلام الكوميدية في السينما المصرية هي مهنة صعبة للغاية حيث التنافس على أشده.

فالسينما المصرية في الأغلب الأعم هي سينما كوميدية منذ بداية السينما المصرية الروائية الطويلة عام 1927 وحتى يومنا هذا.

ولهذا فمن الصعب للغاية أن تجد مخرجا قادرا دائما على إضحاك الجمهور المصري والعربي ولكن سعيد حامد نجح بالفعل في ذلك في أغلب أفلامه على الرغم من اختلافها واختلاف نجومها.

سينما بين منزلتين.. تجارية وفنية
وبالتأكيد لا يمكننا أبدا أن نغفل المرحلة الهامة التي عمل فيها سعيد حامد كمخرج مساعد مع المخرج شريف عرفة في أفلام الأخير “الأقزام قادمون” 1986 و”الدرجة التالتة” 1988 و”سمع هس” 1991 و”اللعب مع الكبار” 1991 والتي بالتأكيد شكلت رؤية وأسلوب سعيد حامد في العمل مع مخرج كان يحاول وقتها أن يجد طريقه وصوته.

ولكننا أيضا لا يمكننا أن نغفل عمل سعيد حامد مع مخرجين مثل فاضل صالح وعاطف سالم وسعد عرفة وسمير سيف ومحمد النجار ومحمد خان والذين يتميزون جميعا بقربهم من السينما الفنية أكثر من السينما التجارية.

لهذا السبب، نجد أن سعيد حامد قد قرر منذ البداية أن يقدم سينما فنية خالصة ولكنه ومع الفشل الجماهيري الكبير الذي حققه فيلمه الأول فهم أن الأمور لا يمكنها أبدا أن تسير مثلما نشتهي فقط وأن عليه أن يتنازل قليلا من أجل أن يستطيع الاستمرار وتقديم وقول ما يريده في أعماله السينمائية.

وهي المعادلة الصعبة التي حاول حامد أن يحققها في أفلامه بعد ذلك حتى يومنا هذا مستخدما كل سمات السينما التجارية المعتادة من نجوم شباك وحس كوميدي ساخر ومواقف وحوار كوميدي وسرد ومونتاج خطي بسيط وبالتأكيد أفكار بسيطة وتطور تدريجي ومنطقي للشخصيات.

ولكنه في نفس الوقت حافظ على الجودة الفنية من حيث عدم الاستسهال في عناصر الفيلم بداية من السيناريو والحوار حتى المونتاج والمكساج بل حافظ أيضا على روح التجريب بشكل ما عبر الغرائبية التي كان يطعم أفلامه بها حتى لو كانت أفلاما كوميدية خالصة.

الغرائبية كمبدأ :
لم يتخل سعيد حامد كثيرا عن مبادئه الفنية. فالغرائبية والتجريبية التي نجدها في فيلمه الأول الأيقوني “الحب في الثلاجة” نجدها أيضا في كل أفلامه التالية. اكتشف سعيد حامد أن ما يميز المجتمع المصري بالتأكيد هو الغرائبية وأن تقديم فيلما غرائبيا خالصا لن يجد صدى لدى المشاهد المصري ولكن تقديم فيلم يقدم الغرائبية وكأنها شيء عادي يومي هو الذي سيجد بالتأكيد صدى لدى المشاهد المصري.

المبالغات التي نجدها في شخصيات وأحداث أفلامه تعكس هذه الغرائبية في المجتمع المصري. فحينما يحكي كمثال أقارب خلف الدهشوري خلف بطل فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية” كيف أنهم دفعوا بالسيارة القديمة من قريتهم الصغيرة حتى القاهرة حتى لا يركبها أحد آخر غير خلف بينما تبادلوا النار مع مجهولين في الطريق فهم يحكون قصة غرائبية نجدها في الروايات والأفلام التي تنتمي كثيرا إلى الواقعية السحرية التي دشنها مجموعة من كتاب أمريكا اللاتينية ثم انتشرت في الفنون المختلفة ومنها السينما. هذه الأحداث الغريبة العجيبة يمكن اعتبارها خيالا ولكن يمكن اعتبارها أيضا كحقائق.

فهي تصلح لكلا الأمرين ويهو ما يجعل لها سحرا خاصا ومتميزا في عقول ووجدان المشاهدين.

تحكي شخصيات أفلام سعيد حامد هذه الحوادث الغرائبية بتلقائية شديدة وكأنه أمر عادي ويومي وهو ما يختلف تماما مع بدايته حينما استخدم الخيال العلمي لتحويل البطل إلى دجاجة في الثلاجة.

فالغرائبية في الأفلام المتأخرة تقدم بسهولة ويسر. أنها تمرر بين السطور فتصل وتتأصل بعمق أكثر بداخل عقل ووجدان المشاهد.

أفضل أفلام هنيدي
لا يمكننا أن ننسى أيضا هذا الثنائي الرائع الذي شكله سعيد حامد مع الممثل محمد هنيدي. فكل منهما قد وجد غايته في الآخر وكلما شعر هنيدي أنه يقع في بئر الفشل بحث عن قارب سعيد حامد لينتشله.

فالثنائي الذي بدأ بفيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية” والذي كان وش السعد عليهما قد استثمرا هذا النجاح الساحق للفيلم بعمل فيلم آخر وهو “همام في أمستردام”.

وبعد عدم النجاح الجماهيري الكبير لفيلم هنيدي “بلية ودماغه العالية” قرر أن يعود مرة أخرى لحامد في فيلم “جاءنا البيان التالي” ثم يستمرا في النجاح معا عبر أفلام “صاحب صاحبه” و”يا أنا يا خالتي”.

إلا أن ذلك لم يمنع حامد من المغامرة مع نجوم جديدة أو حتى ممثلين جدد وهو ما فعله مع أحمد السقا في فيلم “شورت وفانلة وكاب” وأشرف عبد الباقي وياسمين عبد العزيز في “رشة جريئة” وأحمد عيد وأحمد رزق في “أوعى وشك” ثم مرة أخرى مع أحمد رزق في “حمادة يلعب” ثم أول بطولة مطلقة لعبلة كامل في “عودة الندلة” ثم مرة أخرى مع أشرف عبد الباقي في “على جنب يا أسطى” ومع طلعت زكريا في “طباخ الريس”.

هذه الاختيارات تعكس الشجاعة والجرأة وروح المغامرة التي يتصف بها سعيد حامد. فعلى الرغم من أنه قرر بعد أول أفلامه أن يقدم – إلى حد ما – ما يريده الجمهور إلا أنه لم يهجر روح المغامرة مع كل فيلم جديد له. بالإضافة بالتأكيد إلى خوضه مغامرات أخرى عبر وسائط أخرى مثل التليفزيون والمسرح.
غاب سعيد حامد عن السينما في الفترة الأخيرة ولكنه عبر “مسرح مصر” قدم مجموعة من ممثلي الكوميديا إلى السينما والذين ينتشرون الآن في كل أفلام السينما التي تنتج في الفترة الأخيرة وليس في الأفلام الكوميدية الخالصة فقط.

وهو ما يعكس ليس فقط قدرة سعيد حامد على العمل مع ممثلين جدد واكتشاف مواهبهم وقدراتهم ولكنه والأهم يعكس مدى قدرته على الإمساك بروح العصر مهما تغير. ففي نهاية التسعينيات قدم كوميديا بنجوم جدد فاستطاع أن يصل إلى المشاهدين والآن ونحن في العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين يستطيع سعيد حامد أن يقدم كوميديا هي الأقرب إلى الأجيال الجديدة التي ولدت في الألفية الجديدة.

أجيال تستجيب للغة كوميدية جديدة أركانها الأفيه والميمز مع الحفاظ على كل أركان كوميديا الفارس التي ورثتها السينما في الأساس من المسرح الكوميدي لتعود إليه مرة أخرى في “مسرح مصر”.

ما زال سعيد حامد قادرا على العطاء في وسائط مختلفة ولكننا بالتأكيد نأمل أن يعود إلى السينما قريبا وبأسرع وقت من أجل أن نستمتع بفيلم جديد يعيش معنا طويلا مثلما عاشت أفلامه السابقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى