المنوعات

الجُودية في السودان مشاهد ومواقف

تعد الجودية هي من أعظم الأجهزة العدلية التي جادت بها الثقافات التقليدية السودانية. يمكن تعريف الجودية بانها مجلس وساطة تقليدي يسعي في المقام الأول للحفاظ على النسيج الاجتماعي وإعادة رتقه.
تنتمي الجودية إلى فصيلة المؤسسات الأفريقية التقليدية والتي تعني بمعالجة النزاعات التي تنشأ بين الأفراد أو الجماعات. تعرفت الدراسات الأفريقية على أجهزة شبيهة في الدول الإفريقية الأخرى مثل القاجاجا في رواندا ومحكمة الاكانس في غانا وكبيلي في ليبيريا والندنيولي في تنزانيا. ولعل أشهر هذه المؤسسات في أفريقيا هي القاجاجا والتي طُورت واستُخدمت لمحاكمة المتورطين في الإبادة الجماعية في رواندا عام ١٩٩٤، والتي راح ضحيتها قرابة المليون نسمة. لا تقل الجودية عن قاجاجا حنكة وحكمة وقد آن الاون لتحديثها حتى تتسق مع متطلبات سودان اليوم والمستقبل.
تنظر محكمة الجودية في الخلافات التي يمكن التوافق عليها دون الصعود الى المحاكم العليا في المنطقة. نعم إن معظم القضايا التي تختص بها الجودية تأتي في عداد الخلافات الصغيرة ولكنها قد تنظر أيضاً في الجرائم الجسيمة مثل القتل والمعارك القبلية التي قد تشمل خسارة في الأرواح والممتلكات. تنعقد محكمة الجودية في اي وقت أو موقع مناسب. لا تتبع الجوية الزمن المقيد بساعات العمل مثل المحاكم الحكومية وقد تكون الجلسة تحت ظل شجرة أو أي منزل ملائم للقضية. ليس لمحكمة الجودية رئيس ولكن قد يستأثر الكبار، والذين يفترض فيهم الحكمة ومعرفة القانون التقليدي، بمجريات المداولة. إن لم تكتمل المداولة في اجتماع واحد، فقد يتقرر مواصلة المحكمة في يوم آخر حسب اتفاق الحضور.
تتصف الجودية بالمرونة المتناهية في حق الدعوة لانعقاد محكمتها فقد يدعوا لها أحد طرفي النزاع وقد تأتي الدعوة من أي فرد آخر يهدف إلى تجاوز النزاع. أما عضوية المحكمة، أي المحلفين، فهي مفتوحة لكل الكبار بما فيهم الغرباء والذين تزامنت زيارتهم بانعقاد الجلسة. لا تصر الجودية أن يبقي عضو المحكمة طوال الجلسة ولهذا فقد يرتفع عدد الحضور أم يتناقص طوال الجلسة الواحدة. من حق طرفي النزاع رفض مشاركة أي فرد في الجلسة، على أن يحدث ذلك قبل البدء في المرافعات ولا يسمح لأي من الطرفين الاعتراض على مشاركة أحد بعد ذلك بحجة افتقاره للحياد.

https://chat.whatsapp.com/JVdfxcmryNw2xaLuTbkZ5

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى