وداعا محمد المكي ابراهيم صاحب الاكتوبريات و قطار الغرب
بقلم علي احمد دقاش
حينما كنا طلبة في في المراحل الثانوية كانت مملكة السكة حديد في عنفوان شبابها و كان القطار وسيلة نقل هامة في السودان ينقل المسافرين من بلد الي بلد كما ينقل بضائع الوارد والصادر وهو وسيلة نقل تلائم بلد في سعة السودان .
خطوط السككك الحديدية تعبر السودان من حلفا شمالا قاطعة الصحراء الكبري ذات الطبيعة القاسية التي ليس بها حياة محطاتها ترقم بالنمر .
كانت عطبرة “مدينة الحديد والنار ” عاصمة السكة حديد منها تدار كل خطوط السكة حديد الممتدة الي بورسودان شرقا ونيالا غربا حلفا شمالا الي واو جنوبا تمر الخطوط بمدن مزدهرة وريف جميل .
لبناء السكة حديد في السودان قصة سجلها ونسستون تشرشر الذي كان مراسل حربي مرافق لكتشنر
في رحلته لإعادة استعمار السودان . سجل تشرشر في كتابه حرب النهر بدقة يوميات حملة كتشنر من حلفا حتي دخول الخرطوم .افرد جزء خاص عن قصة بناء السكة حديد المشروع الذي أصر كتشنر عليه رغم نصائح المستشارين الذين يرون انه مشروع مستحيل في بلد مثل السودان . بهرني اصرار الكلونيل علي انجاز المشروع كما بهرتني الدراسة التي كتبها ضابط صغير رابط في كوخ ليعد دراسة حوت بدقة كل الاحتياجات المطلوبة لانجاز المشروع بما في ذلك عدد الدواب التي تنقل الماء والعجيب التنفيذ لم ينحرف عن الدراسة قيد انملة .
تم انجاز بناء السكة حديد واصبحت بعد ذلك اهم وسيلة نقل بري واكبر مستوعب للايدي العاملة ونتذكر جميعا ماذا كان يعني اضراب عمال السكة حديد وقصة الاضراب الشهير في عهد الرئيس نميري معروفة .
السكة حديد ليست وسيلة نقل مؤثرة اقتصاديا فحسب لكنها شكلت جزء من وجدان وثقافة الشعب السوداني. صور الاديب معاوية محمد نور الحياة في القطار وحوله في مقال شهير اسمه في القطار وظل القطار ملهم لكثير من الشعراء والادباء والمبدعين كتبوا حوله القصص والروايات وقصائد الشعر ولازلت اذكر ابن عمي الذي رحل مبكرا بحادث حركة الاخ عمر الطاهر علي الصافي رجل الاعمال الشاب وأمهر عازفي الربابة في بادية الحوازمة كان عمر يعزف ويغني :
” دادة هوي يا دادة….الحب نحن سيادة …. القطار الشالك انت…ينقلب بصحابة….يتكسر حتة حتة …وتسلم لي انت….”
كثيرون كتبوا عن القطار
اعظم من صور السفر بالقطار والعلاقات التي تنشأ …وثقافة الاكل …ووصف الاماكن التي يمر بها القطار …
تحدث عن الناس…
الثقافات..
السياحة الجغرافيا….”
كل ما يتعلق بالسفر بالقطار من الابيض الي الخرطوم وصور ذلك في قصيدة شعرية رائعة سماها :
[قطار الغرب]
هو الراحل محمد المكي ابراهيم الاديب المثقف السوداني احد رواد مدرسة الغابة والصحراء وصاحب ديوان امتي و الاكتوبريات . الدبلوماسي ابن مدينة الابيض السفير محمد المكي ابراهيم .
انتقل المرحوم الي جوار ربه بالقاهرة بجمهورية مصر العربية الاحد ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٤ .
انا لله وانا اليه راجعون عاش محمد المكي ابراهيم حياة مليئة بالانجاز والابداع اسهم في مجالات عديدة. ترجمت اعماله الي عدد من اللغات منها الروسية والفرنسية و الانجليزية
ختم حياته بنيل
جائزة :
“شاعر السودان” التي منحت له قبل ايام من موته من قبل الاتحاد العالمي للشعراء، وتم ترشيحه كذلك لجائزة :
“شاعر العرب”
رحم الله محمد المكي ابراهيم وغفر ذنبه ستبقي قصيدته قطار الغرب راسخة في وجدان كل من سافر بالقطار .
قطار الغرب
✒️
عفواً عفواً يا أجدادي شعراء الشعب
يا من نظموا عقد الكلمات بشكَّة سهم
أنا أعلم أن الشعر يواتيكم عفو الخاطر،
عفو الخاطر.
وسبقتونى فى هذا الفنِّ: وداع الأحبابِ
خُضتم أنهار الدمع وراء أحبَّتكم
باركتم بالدعوات مسار أحبتكم
من أسكلة الخرطوم إلى الجبلين، إلى الرجاف
قاسيتم، وأنا يا أشياخى قاسيت
كل السودان يقاسى يا شعراء الشعب
فدعوني أُسمعكم شجوى:
شَجْوى أدعوه قطار الغرب
اللافنة البيضاء عليها الاسم
باللون الأبيض باللغتين، عليها الاسم
هذا بلدى والناس لهم ريح طيب
بسمات وتحايا ووداع متلهِّب
كل الركاب لهم أَحباب
هذى امرأة تبكى
هذا رجل يخفى دمع العينين بأكمام الجلباب:
سلّم للأهل ولا تقطع منا الجواب
وارتجَّ قطار الغرب، تمطَّى فى القضبان
ووصايا لاهثة تأتى وإشارات ودخان
وزغاريد فهناك عريس فى الركبان
ها نحن تركنا عاصمة الأقليم، دخلنا وادى الصبر
كل الأشياء هنا لالمعة تعلوها
كل الأشياء لها ألوان القبر
الصبر، الصبر، الصبر .
الكوخ المائل لا يهوى
والشجر الذاوى ليس يموت
والناس لهم أعمار الحوت
أحياء لأن أباً ضاجع أماً
أولدها فأساً يشدخ قلب الأرض
يحتاز كنوز الأرض ويبصقها دمّاً
لتظل البورصة حاشدة والسوق يقام
وقطار الغرب يدمدم فى إرزام.
تتساقط أغشية الصبر المترهل حين يجىء
ألوان الجدة فى وديان الصبر تضىء
والريح الناشط فى القيعان يمر
يا ويل الألوية الرخوة
يا ويل الصبر
ساعات الأكل تعارفنا
الصمت الجاثم فى الحجرات إنزاح
وتبادلنا تسآل فضوليين
تحدثنا فى ساس يسوس
وتحذلقنا عن جهد الانسان الضائع
فغرسنا كل الأنحاء مزارع
جئنا بالجرارات حرثناها
هذى الأرض الممتدة كالتاريخ