الإعلام العسكري والمعالجة الإعلامية المطلوبة – سنجة مثال :
عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو
1- من المعروف ان الإعلام كعلم ومهنة مرتبط بالمحيط بشكل كبير وليس له حدود واضحة، فهو متداخل مع السياسة والعسكرية والاقتصاد والاجتماع والثقافة وبقية العلوم والمعارف الإنسانية، وبخاصة التوعية والتوجيه ونشر الحقيقة.
2- شكلت وسائل التواصل الإجتماعي منافسة خطرة على الإعلام التقليدي خاصة على مستويين هما، تنوع المحتوى، وعملية نقل الأخبار، فمثلاً، علي صعيد نقل الاخبار اصبح للاعلام الإلكتروني قصب السبق في سرعة نقل الاخبار متفوقاً على الإعلام التقليدي كمصدر للمعلومات، ولكن هناك مخاطر ناشئة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الاخبارية التي تحولت إلى منصات لنشر الاخبار الكاذبة والشائعات عن الجيش والمعارك الدائرة، وكيفية التلاعب على العقول وتزييف الحقائق بما يتفق ومصالح القائمين عليها وتمرير اهداف معينة لصالحهم وترويجها وتثبيتها كحقائق، وهذا ما تعمل عليه الدائرة الأعلامية لمتمردي مليشيا آل دقلو وراعيها الإماراتي، وتعاونها مع بعض القنوات مثال الحدث والعربية اللتان تتبنيان خطاً إعلامياً مناوئاً للقوات المسلحة بالتنسيق مع جهات وقوى سياسية داخلية مشبوهة ودوائر خارجية معروفة، وتستهدفان بث وترسيخ اهداف وأجندة معينة والترويج لإنتصارات مزعومة لصالح المليشيا المتمردة وبحسب مصالح وخطة الدولة التي تدعمها بشكل خفي، والهدف من ذلك إطالة أمد الحرب وصرف الأنظار عن إنتصارات الجيش وتعطيل خطوات الإنتصار القادم وتشويه ملامحه، وقد لوحظ أيضاُ أن هناك تنسيق موازي بين الغرف الإعلامية الإماراتية الداعمة للتمرد وبين صفحات المليشيا المتمردة ومجموعاتهم على الميديا الإلكترونية الموجهة ضد القوات المسلحة، وأن هنالك خطة تهدف لبث محتوى تحريضي ضد الجيش ومحاولة إثارة المواطنين من خلال الواقع الإفتراضي، بينما تعمل خلايا متعددة من العملاء على الأرض بكل جهد لشيوع حالة من الرعب والهلع في أوساط المواطنين، وتجنيد ضعاف النفوس والمخذلين بكل الطرق من دفع أموال ووعود بتلقي اموال، أو إستغلال حالة الإحباط العام لدى المواطن والتي تجعله يفرغ ما بداخله وظهر ذلك بوضوح من خلال الحملة الفاشلة التي ترافقت مع عملية سنجة حيث ظهرت فيديوهات هدفها إثارة الهلع ودفع المواطنين للخروج والفرار من المدينة، بالتزامن مع نشاط اخر بالميديا الإلكترونية وخاصة مجموعات الدردشة وقيام البعض بنشر تعليقات سالبة على شاكلة سنجة سقطت، مما أدى لوقوع كثير من الإعلاميين والمدونين وعامة الجمهور في الفخ وفتح الباب للتشكيك في قيادة الجيش ونجاعة خططه العسكرية.
3- بات واضحاً ان المليشيا المتمردة تسعى من خلال بيانات وتصريحات منسوبيها وداعميهم ومستشاريها وجماعة تقدم إلى عرض وجهة نظر تتمحور حول فرض قوة سياسية يكون لها تأثير على جلب وضع جديد يتمثل في الضغط على الجيش وجره إلى التفاوض، وبما يفسر نوايا المليشيا المتمردة بأن لديهم رسالة محددة أو أجندة أو سلسلة أهداف بعضها علني وبعضها يظهر ضمنياً وبعضها سري، وكلها تقود إلى فضح نيتهم إلى الوصول لنقطة التفاوض من خلال اطالة امد الحرب، بتحويل العمل العدائي لقواتهم المنكسرة والمشتتة من حرب المدن إلى اعمال حرب عصابات وتسلل وإغارة تعتمد على مبدأ أضرب وأنهب وأهرب، ونتيجة لسوء التقديرات السياسية وقصر نظر قيادات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي “تقدم” وعمى بصيرتهم السياسية، وجهل جماعة لا_للحرب الذين يحاولون استغلال المعاناة الإنسانية للشعب السوداني الناتجة ابتداءً بسبب تمرد قائد المليشيا وطموحاته السياسية والشخصية لمطالبة المجتمع الدولي أن ينجز لهم وقف الحرب بالدعوة والضغط لكي يقبل الجيش بالتفاوض.
4- لاحظنا في المعارك الدائرة قصوراً في اعلامنا العسكري، بالرغم من أنه هو الجهة الوحيدة التي تعبر عن الدور الذي تقوم به القوات المسلحة، من أجل تنفیذ الهدف العسكري والسياسي للعمليات الجارية، وشحذ همم الجبهة الداخلية ودفع قوى الشعب لمساندة ومؤازرة قواتها المسلحة، وكذلك مواجهة الدعاية المعادية من متمردي الدعم وبعض دول ومخابرات الخارج المناهضة للجيش والتي تسعى لإضعاف وتفكيك جيش البلاد.
5- لأهمية وخطورة المرحلة القادمة، لابد من اختيار كوادر ذات خبرة ومؤهلة لكي تساعد في عملية نقل الافكار والمعاني والاخبار الخاصة بالمعركة التي يخوضها الجيش ضد متمردي الدعم، ولذلك لابد من العمل على وضع خطة وقيام حملة وطنية أعلامية تهدف إلى التأثير في سلوك أفراد الشعب بشرائحه وأطيافه المتعددة للوصول إلى الأهداف الوطنية المرجوة التي من الإعلام العسكري.
6- اهم واجبات الاعلام العسكري في المرحلة القادمة، يجب أن تتركز في جمع وتحليل ومعالجة البيانات والمعلومات والصور والحقائق والرسائل والتعليمات من كافة المصادر عن أنشطة القوات المسلحة، والتأكد من مصداقيتها وصياغتها بأسلوب يتقبله المجتمع ونشرها محليا وخارجياً، باستخدام كافة وسائل الاعلام، وذلك بهدف تزويد الشعب وحتى أفراد القوات المسلحة بالمعلومات الصحيحة، واحباط نوايا الحملات المضادة التي تهدف إلى إضعاف الروح المعنوية، أو التأثير على التلاحم بين الشعب والجيش، مع التأكيد على الولاء والانتماء للوطن.
7- ومن المهم، في هذه المرحلة، أن يتناسب ما ينشره الاعلام العسكري مع مهمة القوات المسلحة في مختلف المهام المنوط القيام بها بحسب الخطة التي تعمل بها قيادة الجيش، فلا يتم القفز فوق مراحل الخطة العسكرية، بل يتم الإلتزام بأعمال كل مرحلة، وهذا يتطلب الاعتماد على شبكة مختارة بعناية من صحفيين ومراسلين ومحللين متخصصين بشؤون الحرب وتغطية أخبار ساحات القتال، وتحليل هذه الاخبار والمعلومات وإرسالها بسرعة وعناية من اجل استخدامها في البث والنشر في كل الوسائط الإعلامية الورقية والمسموعة والمرئية، ويشمل ذلك الميديا الإلكترونية وبطريقة تختلف عن ماهو معهود الإن من ممارسات تهدف إلى الإثارة أو التضليل، وان يتم التوضيح للشعب وللعالم أجمع بمقاصد التمرد من قيامه بعمليات دخول المدن والقرى والنهب والسرقة من الأسواق والمحال التجارية وإثارة الفوضى بمهاجمة السجون واطلاق سراح المحكومين والمجرمين وتدمير وحرق المقار الحكومية واستهداف مراكز الشرطة، والمرافق الحيوية والإستراتيجية التي تؤمن احتياجات المواطنين من الغذاء والدواء والوقود.
8- يجب ان لا يغفل الإعلام العسكري عن غرس مبادئ الوطنية وتأكيد قيم التضحية والبذل والعطاء في سبيل الوطن، والتهيئة النفسية والمعنوية للعمل على تكوين كيان متلاحم للجبهة الداخلية للدولة من خلال المقاومة الشعبية، والتصدي اعلامياً لأي هجمة من الحروب النفسية قد يكون من شأنها التأثير على الروح المعنوية لأداء القوات المسلحة وتحصين المقاتل ضد الحرب النفسية المعادية والمواطنين بشكل عام، وشن حملات نفسية مدروسة مضادة ضد اعلام العدو، وإقناع الجمهور ببطلان دعاياته وشائعاته من خلال الوقائع والحقائق الحاصلة على ارض المعركة ونقل الصورة الحقيقية عما يدور حول المعارك وما يدور في البلد، والآثار المختلفة لعدوان التمرد وفشله وإخفاقاته وهزائمه على الأرض، وذلك من خلال تفعيل الصفحات والمواقع الإلكترونية للمؤسسات الإعلامية الرسمية والدوائر الوطنية المختلفة باعتبارها شكلاً من اشكال الاعلام الجديد في مواجهة العدو، وعرض الحقائق المتعلقة بمختلف القضايا أمام المجتمع الداخلي والخارجي.
9- ختاماً وفي ظل التطورات التي تشهدها قضية تمرد مليشيا آل دقلو، تبرز عدة عوامل تتفاعل فيما بينها لتشكل قوة دفع بإتجاه تحقيق النصر المطلوب للقوات المسلحة وحسم معركة التمرد، خاصة وأن الصورة المتعلقة بمهمات الجيش في بعض المراحل الحرجة من حياة الوطن والشعب، قد تكون غير واضحة أو ضبابية بسبب المواقف التي قد تطرأ خلال العمليات العسكرية، وهنا يبرز الدور الهام للإعلام العسكري.
عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو