أحمد الجعلي يكتب … عام من الحرب
اليوم الخامس عشر من إبريل وقد أكملت الحرب التى انطلقت شرارتها الأولى من الخرطوم عاماً كاملاً.
كثيرون قد يندهشوا أن عاماً كاملاً من الفقد والنزوح واللجوء قد انقضي.
إنه عامٌ تذبذبت فيه الأمنياتُ الخُضر وشهد وداع الأحلام ووأد الآمال والأعمال.
عامٌ تجمدت فيه مشاعرنا وما عادت نفوسنا قادرة على التداوي ذاتياً من شدة الأوجاع الفاخرة والآلام العميقة.
وعن أي ألمٍ نتحدث؟ عن فقد الأعزاء بالرحيل المر؟ أم بفقدان الممتلكات والأموال والعشرة والتلاقي؟
رغم ذلك كان لا بد أن نتقبل كل ذلك بصمت.. ثم نكمل السير فى طريق الصبر والسلوان.
وعلينا أن نبحث عن السلام لأرواحنا حين غاب عن حياتنا السلام.
وعلينا أن نواسي أنفسنا وأن لا نسمح للأيام أن تتشابه فى قسوتها علينا.
صحيح أن الصدمات والخيبات هي الأعلى صوتاً والأقوي صدىً ولكن علينا أن نفتح نوافذ للأمل وللرجاء.
صحيح ان البكاء حل مكان الضحك.. وأحيانا نضحك بسخرية على قدرنا.
وصرنا نضحك من شدة بؤسنا ونبكي حين يداهمنا الفرح العابر.
ضائعون نحن أمام الأحزان مشتتون أمام المستقبل المظلم وأمام كل ما هو آت.
تمهلت الأيام المكسوة بالحزن على كل أسى وتراكمت أكوام الهم بالنفوس المقهورة والمكسورة.
عام الحرب علمنا وأخبرنا أن الحياة رحلة نعبرها أحياناً بالضحكات وحيناً بالدموع.
نلتقي فيها أحباباً ونودع آخرين (بحالتي اللجوء والنزوح)٠
* تحمل في طياتها الكثير من الأقدار.
حلم يتحقق ببقائنا على قيد الحياة.. وآخر يتعثر ويتبخر.
عامٌ من الحرب تفاوتت فيه درجات الصدمات والكدمات والندوب في دواخلنا.
وما حدث لنا يحتاج الأعوام عديدة وأعمار مديدة حتى نتعافى.
وربما نعمة النسيان تساعد فى عمليات التعافي والتصالح مع واقعنا المفروض.
والناظر لواقعنا يجد بعضنا يبدو بخير لأنه لم يبح بما يؤلمه ففي بعض الكذب كرامة.
وبعضنا ابتعد عن الأهل والديار والوطن وهو فى أمس الحاجة إلى القرب.
وبعض آخر أظهر شجاعةً وتماسكاً وهو فى امس الحاجة إلى الإنهيار.
وبعضنا ما زال يبتسم وهو فى أمس الحاجة للبكاء.
عامٌ من الحرب اكتمل وما زالت البنادق محشوة بطلقات الموت والأرواح تنتظر.
رغم أن الكل يتمسك في إصرار إنساني ورغبة في البقاء مُلِّحة أن ينجو.
والنجاة اطواقها متناثرة ومن العسير علينا أن نبقيها إلى جانبنا.
فإن نجونا من الآلة الحربية.. فمن ينجينا من تشوهات الواقع المر المزدري فينا ألماً وحرقة؟
الآن يبدأ عامٌ ثاني نتمنى أن لا يكتمل على إيقاع الموت والخراب والدمار.
حتى لا نظل نعيش القادم من أيامنا بأسي أكبر وأمل أقل.
ولا بأحلام معطوبة وتركض مثل فرس فى سباق فاشل.
نتمنى وليس كل الأمنيات بآئرة أن تضع الحرب أوزارها بأعجل ما يكون.
لتحتشد سماواتنا بسحائب الخير الحبلي بمياه اليقين.
وتتدلي في دلال مستحب نحو أرض الوطن المغدور وتنبت الف سنبلة من الأمن والسلام يضاعفها الله كيف شاء.